ليس لدى أى تعاطف مع السيد «خنوفة» الذى انتحر بعد أربعة أيام من إلقاء القبض عليه، وحولته وسائل الإعلام إلى «نجم» فى عالم الجريمة،
فهمي هويدي |
حين وصفته بأنه أخطر بلطجى فى القاهرة، إذ صورته بحسبانه شقيا مغامرا هرب من سجن وادى النطرون خلال أحداث الشغب التى شهدتها السجون يوم جمعة الغضب (28 يناير الماضى)، حيث كان محكوما عليه بالسجن عشر سنوات بعد إدانته فى قضية مخدرات، وبعد هروبه لم يختف، وإنما ظل يواصل مغامراته حتى اتهم فى تسع قضايا أخرى بينها محاولة اقتحام قسم شرطة مصر القديمة مرتين. وقطع طريق صلاح سالم الذى يمثل أحد الطرق الرئيسية المهمة فى العاصمة.
حين ألقى القبض عليه فى الأسبوع الماضى أبرزت كل الصحف المصرية الخبر على صفحاتها الأولى، وصورت لنا الخطوة بأنها انجاز أمنى كبير حققته المباحث الجنائية التى تفننت فى محاولة الايقاع به. وأسهبت الصحف فى متابعة سجل جرائمه حتى كرهته على المستوى الشخصى باعتباره أحد رموز الشر والبلطجة التى صار الجميع معبأ ضدهما فى مصر. وحين انتحر احتل خبره مكانة على الصفحات الأولى أيضا مشفوعا بتفاصيل غيرت مشاعرى نحوه، وجعلتنى أتعاطف مع إنسانيته وليس مع جرائمه. فقد ذكرت صحيفة «الشروق» أنه هاجم قسم شرطة مصر القديمة فى المرة الأولى يوم 5 يوليو، لتهريب بعض أبناء بلدته «عزبة أبوقرن» الذين كان قد تم احتجازهم هناك بعد إحدى الحملات الأمنية. ولا أعرف إن كان هؤلاء من رجاله وعصابته أم أنه فعلها من باب استعراض فتوته وتأكيد زعامته. لكن هجومه الثانى على قسم الشرطة هو الذى أثار انتباهى وغير من رأيى. ذلك أنه شن هجومه المسلح الثانى على القسم يوم 15 أغسطس، لإخراج أمه وزوجته اللتين كانتا قد احتجزتا فى القسم لحين تسليم نفسه. وهى معلومة إذا صحت فإنها تعنى الكثير فى ذاتها وفى دلالتها.
ليس معلوما تاريخ إلقاء القبض على الأم والزوجة وارتهانهما لدى القسم لإجبار خنوفة على تسليم نفسه، ولكننا لاحظنا أن هجومه الأول كان يوم 5 يوليو وأن هجومه الثانى لإخراج المرأتين كان يوم 15 أغسطس، الأمر الذى يدعونا إلى ترتجيح أنهما احتجزتا داخل القسم لمدة شهر على الأقل، وأن اقدامه على مهاجمة السجن فى هذه الحالة قد يكون مفهوما. وليس ضروريا ان يكن المرء صعيديا لكى يغار على كرامة أمه وزوجته ويقدم على مغامرة من ذلك القبيل. لأننى أفهم أن مثل هذه العملية يمكن أن تخطر على بال أى «رجل» لديه قدر من الحمية والغيرة، خاصة إذا كان من عوام الناس وليست لديه ثقة فى أن القانون يمكن أن ينصفه فى هذه الحالة. بل إننى ذهبت إلى القول بأن الشرطة لجأت إلى اسلوب غير قانونى فى الضغط عليه حين احتجزت أمه وزوجته بغير ذنب، فرد الرجل بأسلوب غير قانونى فى محاولة إطلاق سراحهما. بالتالى فإنهما تعادلا فى الإثم.
أما السؤال الذى حيرنى هو: هل لايزال أسلوب احتجاز الأهل وارتهانهم لإجبار الشخص المطلوب على تسليم نفسه لايزال مطبقا بعد ثورة 25 يناير؟ أدرى أن ذلك كان من تقاليد الشرطة قبل الثورة، حين كانت تدوس على القانون ولا تتردد فى العدوان على حريات الناس وإهدار كراماتهم، وحين كانت تتصرف على نحو يفتقد إلى الحرفية، فتلجأ إلى البطش حين تعجز عن تحقيق مرادها من خلال التحقيق والتحرى وجمع خيوط الأدلة. ويكون البطش فى هذه الحالة تعبيرا عن العجز المهنى والكسل العقلى. لكننى تصورت أن الإدانات القوية التى حدثت بعد الثورة لمثل هذه الأساليب العتيقة وغير الإنسانية دفعت رجال الشرطة إلى وقفها. أو على الأقل الحذر الشديد فى استخدامها. لكن النموذج الذى بين أيدينا يدل على أن شيئا لم يتغير وأن «ريمة عادت إلى أساليبها القديمة»، وذلك أكثر ما يثير القلق ويبعث على الاستياء. الأمر الذى يعنى أن التغيرات التى حدثت فى جهاز الشرطة شملت الأشخاص، وهذا أمر مهم بطبيعة الحال، لكنها لم تشمل الثقافة السائدة التى هى أكثر أهمية. وهو ما يدعونى إلى طرح السؤال التالى: ما قيمة تنحية عدة مئات من كبار ضباط الشرطة عن وظائفهم للاشتباه فى ضلوعهم فى عمليات التعذيب والقهر، إذا لم يؤد ذلك إلى إىقاف تلك الأساليب غير الإنسانية فى التعامل مع البشر؟ بل ما قيمة إسقاط نظام مبارك ومحاكمته إذا استمر بعد ذلك تعذيب البشر واحتجازهم فى السجون بغير حق، وإذا فوجئنا بأن أما وزوجة تم ارتهانهما داخل أحد أقسام الشرطة لإجبار رجل البيت على تسليم نفسه.
لقد ظللنا حينا من الدهر نتجادل حول أيهما أولا الدستور أم الانتخابات وفاتنا أن ندق الأجراس لنذكر الجميع بأن الإنسان أولا، حيث ظننا أن تلك بديهية مفروغ منها، واثبتت التجربة أن ذلك تفاؤل لا محل له، إن انتهاك حرمة أى إنسان فى مصر أو إهدار كرامته يعنى أن الثورة لم تحقق أهدافها، وإننا يجب أن نستنفر للدفاع عنها.
حين ألقى القبض عليه فى الأسبوع الماضى أبرزت كل الصحف المصرية الخبر على صفحاتها الأولى، وصورت لنا الخطوة بأنها انجاز أمنى كبير حققته المباحث الجنائية التى تفننت فى محاولة الايقاع به. وأسهبت الصحف فى متابعة سجل جرائمه حتى كرهته على المستوى الشخصى باعتباره أحد رموز الشر والبلطجة التى صار الجميع معبأ ضدهما فى مصر. وحين انتحر احتل خبره مكانة على الصفحات الأولى أيضا مشفوعا بتفاصيل غيرت مشاعرى نحوه، وجعلتنى أتعاطف مع إنسانيته وليس مع جرائمه. فقد ذكرت صحيفة «الشروق» أنه هاجم قسم شرطة مصر القديمة فى المرة الأولى يوم 5 يوليو، لتهريب بعض أبناء بلدته «عزبة أبوقرن» الذين كان قد تم احتجازهم هناك بعد إحدى الحملات الأمنية. ولا أعرف إن كان هؤلاء من رجاله وعصابته أم أنه فعلها من باب استعراض فتوته وتأكيد زعامته. لكن هجومه الثانى على قسم الشرطة هو الذى أثار انتباهى وغير من رأيى. ذلك أنه شن هجومه المسلح الثانى على القسم يوم 15 أغسطس، لإخراج أمه وزوجته اللتين كانتا قد احتجزتا فى القسم لحين تسليم نفسه. وهى معلومة إذا صحت فإنها تعنى الكثير فى ذاتها وفى دلالتها.
ليس معلوما تاريخ إلقاء القبض على الأم والزوجة وارتهانهما لدى القسم لإجبار خنوفة على تسليم نفسه، ولكننا لاحظنا أن هجومه الأول كان يوم 5 يوليو وأن هجومه الثانى لإخراج المرأتين كان يوم 15 أغسطس، الأمر الذى يدعونا إلى ترتجيح أنهما احتجزتا داخل القسم لمدة شهر على الأقل، وأن اقدامه على مهاجمة السجن فى هذه الحالة قد يكون مفهوما. وليس ضروريا ان يكن المرء صعيديا لكى يغار على كرامة أمه وزوجته ويقدم على مغامرة من ذلك القبيل. لأننى أفهم أن مثل هذه العملية يمكن أن تخطر على بال أى «رجل» لديه قدر من الحمية والغيرة، خاصة إذا كان من عوام الناس وليست لديه ثقة فى أن القانون يمكن أن ينصفه فى هذه الحالة. بل إننى ذهبت إلى القول بأن الشرطة لجأت إلى اسلوب غير قانونى فى الضغط عليه حين احتجزت أمه وزوجته بغير ذنب، فرد الرجل بأسلوب غير قانونى فى محاولة إطلاق سراحهما. بالتالى فإنهما تعادلا فى الإثم.
أما السؤال الذى حيرنى هو: هل لايزال أسلوب احتجاز الأهل وارتهانهم لإجبار الشخص المطلوب على تسليم نفسه لايزال مطبقا بعد ثورة 25 يناير؟ أدرى أن ذلك كان من تقاليد الشرطة قبل الثورة، حين كانت تدوس على القانون ولا تتردد فى العدوان على حريات الناس وإهدار كراماتهم، وحين كانت تتصرف على نحو يفتقد إلى الحرفية، فتلجأ إلى البطش حين تعجز عن تحقيق مرادها من خلال التحقيق والتحرى وجمع خيوط الأدلة. ويكون البطش فى هذه الحالة تعبيرا عن العجز المهنى والكسل العقلى. لكننى تصورت أن الإدانات القوية التى حدثت بعد الثورة لمثل هذه الأساليب العتيقة وغير الإنسانية دفعت رجال الشرطة إلى وقفها. أو على الأقل الحذر الشديد فى استخدامها. لكن النموذج الذى بين أيدينا يدل على أن شيئا لم يتغير وأن «ريمة عادت إلى أساليبها القديمة»، وذلك أكثر ما يثير القلق ويبعث على الاستياء. الأمر الذى يعنى أن التغيرات التى حدثت فى جهاز الشرطة شملت الأشخاص، وهذا أمر مهم بطبيعة الحال، لكنها لم تشمل الثقافة السائدة التى هى أكثر أهمية. وهو ما يدعونى إلى طرح السؤال التالى: ما قيمة تنحية عدة مئات من كبار ضباط الشرطة عن وظائفهم للاشتباه فى ضلوعهم فى عمليات التعذيب والقهر، إذا لم يؤد ذلك إلى إىقاف تلك الأساليب غير الإنسانية فى التعامل مع البشر؟ بل ما قيمة إسقاط نظام مبارك ومحاكمته إذا استمر بعد ذلك تعذيب البشر واحتجازهم فى السجون بغير حق، وإذا فوجئنا بأن أما وزوجة تم ارتهانهما داخل أحد أقسام الشرطة لإجبار رجل البيت على تسليم نفسه.
لقد ظللنا حينا من الدهر نتجادل حول أيهما أولا الدستور أم الانتخابات وفاتنا أن ندق الأجراس لنذكر الجميع بأن الإنسان أولا، حيث ظننا أن تلك بديهية مفروغ منها، واثبتت التجربة أن ذلك تفاؤل لا محل له، إن انتهاك حرمة أى إنسان فى مصر أو إهدار كرامته يعنى أن الثورة لم تحقق أهدافها، وإننا يجب أن نستنفر للدفاع عنها.
No comments:
Post a Comment