وائل عبد الفتاح |
أحمد عز؟
نعم أحمد عز كان صاحب أعلى صوت فى نفس هذا الوقت من العام الماضى.
هو المهندس والمدير واللاعب المحرك للأحداث. لاعب من نوعية أخرى تختلف
عن فرقة الموظفين أمثال: زكريا عزمى وجمال عبد العزيز.
قادم من عالم البيزنس الصغير ليقتحم العالم الكبير، ليس فى البيزنس فقط، ولكن أولا وقبل أى خطوة فى السياسة.
أين أحمد عز الآن؟ لماذا يبدو شخصية هامشية فى لحظة السقوط؟ لماذا ظهر مسكينا، شاردا فى اللحظات النادرة التى ظهر بها؟ لماذا قل الاهتمام به رغم أنه كان شاغلا الجميع، باعتباره رمز الفساد السياسى والمالى؟
هل سيفلت؟ هل لم يعد له دور بعد أن لعب طويلا دور المجرم البديل الذى «يشيل القضية» بدلا من الرجل الكبير؟ فى قمة سطوته رأيته بهذه الصورة:
أحمد عز يشبه إلى حد كبير شخصية من عالم الرسوم المتحركة تلعب دورا لا تعرف إلى أين سيؤدى بها فى آخر القصة.
أحمد عز ابن ثروته. وكان يمكن أن يكون صاحب مصنع مجتهدا وقادرا على التطوير (وعنده بالفعل مهارات للتطوير والجدية يفتقدها مثلا جمال مبارك ومن اختارهم فى فرق مساعدته…) وكان يمكن أن يبنى بجهده وقدراته ما يضيف به إلى اقتصاد حقيقى، لكنه اختار الطريق السهل، والمتاح فى عصر الثروات السهلة.
ربما تكون أحلامه القديمة هى أن يكون عازف جيتار، كعشرات غيره من أبناء تجار الحديد فى السبتية أو وكالة البلح، ويريدون أن يتقدموا خطوة فى الالتحاق بالطبقة الوسطى العليا.
جيتار أحمد عز سيظل متحكما بحياته. هو الرمز الذى تدور حياته حوله، اشتراه بقوة المال (مال أبيه) وكان دائما أكبر من حجمه، وأراد به أن يكون فى وضع اجتماعى مختلف… أراد دائما أن يحيط نفسه بالوفرة ليتغلب على شعوره بالحجم الصغير لجسده (كل شىء كان كثيرا فى حياته من الزوجات إلى حجم الثروة إلى الشعور بالقوة فى حزب ليس حزبا بالأساس). الجيتار تحول إلى أشياء أخرى، كلها تريد أن تصنع من شخص أحمد عز، شخصا آخر يقنع الآخرين بأنه موجود… وحجمه أكثر ضخامة مما يشعر به هو أصلا.
السياسة تفعل هذا الآن، هى الطريق الذى اختاره أحمد عز ليصنع من ثروته سلما للوصول إلى مكانة لا تؤهله قدراته العادية على الوصول إليها.
وكما كان أحمد عز محدود الموهبة فى الجيتار، فهو فى السياسة لا يمتلك سوى كفاءة التسلل إلى مناطق الضوء.
هل رأى أحد أحمد عز فى اجتماع حزبى قبل الترشح أول مرة فى انتخابات مجلس الشعب؟
هل سمع أحد عن رأى أو فكرة قالها أحمد عز قبل أن يصبح هو الذى يسمح أو يمنع الآخرين من التعبير عن الآراء والأفكار؟
لا وجود سياسيا لأحمد عز قبل أن يكون ثروته بالطريقة التى حيرت كثيرين.
هذا يعنى أنه اشترى الوجود السياسى كما اشترى الجيتار. وعاش فى دور «الزعيم» السياسى كما عاش فى دور الموسيقار… كلها محاولات للخروج عن «حدوده»، لكن باستخدام ثروته لا مواهبه أو قدراته. وهذا ما يجعله يشترى «المنظر» ولا يجتهد فى صناعته…. يوظف آلاف الباحثين والمستشارين ليبدو قريب الشبه من سيناتور فى الكونجرس الأمريكى…. وبينما يتحدث باسم حزب حاكم يعتمد على أنه نصير «العمال والفلاحين».. فإن عمال شركاته لا يجدون طريقا لاستعادة حقوقهم سوى الاعتصامات المتوالية.
وكما يقول المثل المصرى «اللى اشترى غير اللى ربى» فإن أحمد عز الذى اشترى مكانته السياسية لا يعرف السياسة إلا من طريق واحد فقط: شراء الولاء. وهو اعتبر برلسكونى رئيس وزراء إيطاليا مثله الأعلى… وربما لا يعرف أنه رمز فساد الحياة السياسية فى أوربا كلها.
أحمد عز.. هو أعجوبة نظام مبارك السياسية… هو تجسيد لمثل مصرى آخر «عملناها ونفعت».
لم يكن أحد من الذين أفنوا عمرهم فى السياسة سيتخيل وسط أكثر الكوابيس قتامة أن يكون أحمد عز هو واجهة النظام والحزب الذى يحكم مصر منذ ١٩٧٩. لكن هل كان يمكن أن ينتج نظام مبارك أفضل من أحمد عز؟ أحمد عز الابن المخلص لنظرية «نشترى كل شىء»… ومحاكمته هى محاكمة هذه النظرية فى السياسة.. هو ليس مجرد قناص ثروات.. ولكنه لاعب أخرجته حياة سياسية فاسدة ففسد فيها وجعلها ملعبا للفساد.
وهذا ما لا نريده مرة أخرى.
No comments:
Post a Comment